منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

Like Tree27Likes
موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-29-21, 08:13 AM   #271
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 258 »
السيرة النبوية العطرة (( وفد بني حنيفة و ظهور مسيلمة الكذاب في اليمامة ))
________
في العام التاسع للهجرة الذي عمّ فيه الإسلام ربوع الجزيرة العربية ، أقبل وفد بني حنيفة من {{ اليمامة }} جهة اليمن في بضعة عشر رجلًا برئاسة [[ سلمى بن حنظلة ]] و معهم [[الرجَّال بن عنفوة ]] أحد وجهاء القبيلة، لإجراء مباحثات مع النبي - صلى الله عليه وسلم- وإعلان إسلامهم، ويبدو أنهم طمعوا مقابل دخلوهم في الإسلام، أن يحصلوا على موافقة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لخلافته.

وكان مع هذا الوفد صاحب الكلمة فيهم {{ مسيلمة بن حبيب الحنفي }} ولم يكن يُعرف بالكذاب حتى هذا الوقت الذي حضر فيه ، أما فيما بعد فهو المعروف لدينا كمسلمين في كتب السيرة والتاريخ باسم {{ مسيلمة الكذاب }} بعد أن وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكذاب بنبوءة صادقة .

ومسيلمة هو أشهر المتنبئين وأخطرهم في الجزيرة العربية، فقد ادّعى النبوة زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستفحل أمره زمن أبي بكر الصديق، وشكلت حركته تهديدا واضحًا لدولة الإسلام الناشئة .

وتذكُرالأخبارأن مسيلمة كان قصيًرا ، شديد الصفرة ،أخنس الأنف أفطس ، وكان أكبرعمرًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و قد تكهّن و ادّعى النبوة باليمامة ، وهو نصراني ، حيث أقام في القدس عامين يتعلم الدين النصراني ، ووجد له أتباعًا قبل نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ،

ويذكر أهل الأخبار أنّ مسيلمة كان ابن مائة وخمسين سنة حين قُتل في اليمامة .
ويبدو أن مسيلمة الكذاب كان على قدر من قوة البيان والشخصية ، إذ ترك تأثيرًا ملموسًا في أوساط بني حنيفة، والقبائل المجاورة، فقد كان على علم أيضا بصناعة الشعوذة، والألاعيب التي كان يتقنها بعض الكهان في بلاد العرب والعجم، وكان يسمّى عندهم ب (( رحمان اليمامة ))

[[ ولا تستغربوا من ذلك ؛ فاليوم ونحن في القرن الحادي و العشرين بعض المسلمين و المسلمات يصدّقون العرّافين و المشعوذين ، ويتأثرون بكلامهم فيدخلون في الشرك و العياذ بالله ]] وكان مسيلمة يبعث بأناس إلى مكة ليسمعوا القرآن، ويقرؤوه على مسامعه، فينسج على منواله ، أو يُسمعه هو نفسه للناس زاعمًا أنّه كلامه ، ومن كلامه :

وَاللَّيْلُ الدَّامِسْ، وَالذِّئْبُ الْهَامِسْ، مَا قَطَعَتْ أَسَدٌ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسْ.
وَالْفِيلْ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلْ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلْ.

وقد جاء أنّ [[ عمرو بن العاص - قبل إسلامه - ]] قابل مسيلمة الكذاب فسأله مسيلمة: ماذا أُنزل على صاحبكم في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال: وما هي؟ قال: أنزل عليه: {{ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }} . قال: ففكر مسيلمة ساعة، ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها. فقال له عمرو: وما أُنزل؟

قال مسيلمة: " يَا وَبَرُ يَا وَبَرُ، إِنَّمَا أَنْتِ أُذُنَانِ وَصَدْرٌ، وَسَائِرُكِ حَقْرٌ نَقْرٌ". ثم قال مسيلمة: كيف ترى يا عمرو؟ فقال عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم إنك لتكذب !!! [[ طبعا كلام مسيلمة الكذاب وما زعم أنه قرآن أخسّ من أن ننشغل به أو نفكر فيه، ولكن عشان نعرف إنه كلام سخيف ومع ذلك أضل ناس كثير دلالة على انتشار الجهل ، و اليوم في ناس بتلعب دور مسيلمة و في ناس كثير بتصدقهم !!! فالجهل ليس له حدود زمنية !! ]]

ومع أنّ مسيلمة الكذاب ادَّعى النبوة كذبًا، إلّا أنّ كثيرا مِن الناس ناصروه حمية وجاهلية، مع علمهم بأنه كذاب ، ويُروى أنّ {{ طلحة النميري }} قدم إلى اليمامة للاجتماع بمسيلمة، والوقوف على حقيقة دعوته، واختبار نبوته، فلما جاءه قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمان، قال: أفي نورأو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك لكذاب وأن محمدًا صادق؛ ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر . [[ يعني عنصرية واضحة لقبيلة ربيعة التي منها مسيلمة !! ]] .

إذن قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ مع وفد بني حنيفة من منطقة اليمامة جهة اليمن ، وكانوا يحيطون به يمينا و يسارا تعظيما له وقد وضع على صدره الصّليب !! وعندما وصلوا أقْبَلَ إلَيْهِم رَسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - ومعهُ ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ وفي يَدِ رَسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - قِطْعَةُ جَرِيدٍ [[ غُصْنٌ مِن غُصونِ النَّخْلِ ]]، حتَّى وقَفَ أمام مسيلمة و أصْحَابِهِ، فَقالَ لمسيلمة كما جاء في الحديث :

(( لو سَأَلْتَنِي هذِه القِطْعَةَ ما أعْطَيْتُكَهَا، ولَنْ تَعْدُوَ أمْرَ اللَّهِ فِيكَ، ولَئِنْ أدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وإنِّي لَأَرَاكَ الذي أُرِيتُ فِيكَ ما رَأَيْتُ )) ثم صرف – عليه الصلاة و السلام – وجهه عن مسيلمة .


وهذه نبوءة من رسولنا الكريم – عليه الصلاة والسلام – حيث أخبره الله ما في نفس مسيلمة من نيّة الخلافة و النبوة من بعده ، لذلك – وعلى غير عادته مع الوفود - بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديث قبل أن يتكلموا : لو سأَلتَني يا مسيلمة هذه القِطْعَةَ من جريد النَّخْلِ لن أعطيك إياها ، ولن تَتجاوَزَ القَدْرَ الَّذي قَدَّرهُ اللهُ تَعالَى فيكَ؛ وهو عدَمُ بُلوغِكَ ما تُرِيدُ، وإن امتنَعْتَ عنِ اتِّباعي، لَيُهلِكَنَّكَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - ويَقتُلَنَّك بمِثْلِ الرُّؤيا الَّتي رَأَيتُها في مآلِكَ ونِهايَتِك. فما هي هذه الرؤيا ؟؟

عن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أنَّ رَسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - قالَ: (( بيْنَما أنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ في يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِن ذَهَبٍ، فأهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إلَيَّ في المَنَامِ: أنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُما فَطَارَا، فأوَّلْتُهُما كَذَّابَيْنِ، يَخْرُجَانِ بَعْدِي فَكانَ أحَدُهُما العَنْسِيَّ، والآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ، صَاحِبَ اليَمَامَةِ )).

[[ يعني تفسير الرؤيا أن مسيلمة سيموت مقتولا ، وهذا ما حدث فعلا حيث قتله وحشي بن حرب في معركة اليمامة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ]] .

فلما سمع وفد بني حنيفة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم – جلسوا معه وأسلموا ،فخاف مسيلمة على ضياع الزعامة منه فأسلم نفاقاً، وبقي يكتم ما يريد في قلبه !! ومهما يكن من أمر، فقد أدرك – عليه الصلاة و السلام - من خلال ما جرى مع وفد بني حنيفة، أن هؤلاء القوم سوف يغدرون به، ويرتدون عن الإسلام، وأن صاحبهم سيقودهم إلى شر عاقبة يهلكهم بها .ومع ذلك فقد دعا صحابته إلى تفقيههم في الدين ، وتعريفهم بالإسلام ،

واستغل [[ الرّجال بن عنفوة ]] وجوده في المدينة، فتعلم القرآن وتفقه في الدين، ووقف على تعاليم الإسلام أكثر من قومه، وكان هذا الرجل ذا بصيرة وذكاء، فعينه النبي – عليه الصلاة و السلام - معلمًا لأهل اليمامة ؛ يفقههم في الدين، ويشد من عزائم المسلمين. لكنّ " الرّجال بن عنفوة " كان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، وما كان تفقّهه إلا رياء، حيث أنّه لاحقا انضم إلى مسيلمة، وأقرّ بنبوّته، وشهد بأن محمدًا أشركه معه في الرسالة، فالتف بنو حنيفة حوله !!


وبعد أن عاد مسيلمة الكذاب إلى قومه، وأظهر دعوته، كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا يدّعي فيه مشاركته في الرسالة، ويساومه في اقتسام الملك والسيادة في جزيرة العرب، فقال: [[ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ ]]

وأبى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك الفرصة لمثل هؤلاء الكذابين للتشكيك في أمر الدين، فكتب رسالة وأعطاها إلى حبيب بن زيد - رضي الله عنه - أحد الصحابة الشباب، وفيها:

[[ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ للَّه يُورَثُهَا مَنْ يُشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ]] . وكان ذلك في آخر سنة عشر من الهجرة. فما كان من مسيلمة الكذاب إلا أن أسر حبيب بن زيد وقيده، فكان مسلمة إذا قال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، وإِذا قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنا أصم لا أسمع، ففعل ذلك مرارًا، فقطّعه مسيلمة عضوا عضوا، فمات شهيدا رضي الله عنه .


وكان قوم بني حنيفة في قسمين ؛ قسم على إيمانهم وإسلامهم ، وقسم مع مسيلمة الكذاب لأنه أعطاهم ما تهوى أنفسهم حتى يستميلهم إليه [[ يعني عمل تنزيلات وعروض : بكفي منكم صلاتين وقت ما بدكو ، شرب الخمر عادي في المناسبات ، ما في داعي للزكاة !! تماما مثل البعض اليوم اللي بضيعوا وقت الصلاة عشان حضور مباراة ، و اللي بتحايلوا على الدين عشان ما يصوموا! ]]

وكان مسيلمة أيضا يدّعي الكرامات، فأظهر الله كذبه ولصق به لقب [[ الكذاب ]] فقد أراد إظهار كرامات تشبه معجزات النبي – عليه الصلاة و السلام - فأظهر الله كذبه فيها : سقى بوضوئه نخلا فيبست !! وأُتي بوَلدان يباركهما فمسح على رأسيهما ؛أحدهما أصبح أقرع و الآخر لثغ لسانه ، ومسح على عيني رجل أصابهما الوجع فعمي !! [[ اللهم خلّص أمتنا من كل مسيلمة ]]

.
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 

التعديل الأخير تم بواسطة عطاء دائم ; 05-30-21 الساعة 06:56 AM

قديم 05-30-21, 06:54 AM   #272
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 259 »
السيرة النبوية العطرة (( قصة دخول الإسلام إلى اليمن ))
__________
إنّ قصة الإسلام في اليمن قديمة، فقد دخله الإسلام في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم - ومن ثَمَّ صار اليمن إقليمًا إسلاميًّا مهمًّا في الدولة الإسلامية، وظل كذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وكذلك في عهد الخلافة الأموية، وصدر الخلافة العباسية ، ولقد شهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - شهادة عظيمة لأهل اليمن ، هي خير لهم من الدنيا وما فيها، وذلك عندما جاء وفد اليمن إلى المدينة المنورة، فقال فيهم – عليه الصلاة و السلام - : (( أَتاكُمْ أهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ، والفَخْرُ والخُيَلاءُ في أصْحابِ الإبِلِ، والسَّكِينَةُ والوَقارُ في أهْلِ الغَنَمِ )) .

لم تدخل {{ اليمن }} كاملة في الإسلام دفعة واحدة ،إنما كان إسلامها تدريجيا وعلى مراحل ؛ فبعضها دخل سلميّاً وبعضها عن طريق السرايا و البعوث ، فلم تكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ، وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها، مجموعة من القبائل في قتال وتناحر مع بعضهم البعض، فكانت تضم قبائل كبيرة مثل حِمْيَر وكندة وهمدان ، وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم {{ الفارسي }} ، وكانت نصارى نجران تابعة للحكم {{ الروماني }}

المرحلة الأولى : إسلام أفراد من قبائل مختلفة مثل أبي موسى الأشعري
من قبيلة {{ الأشاعرة }}، الطفيل بن عمرو من قبيلة {{ دوس}} ، قيس بن نمط من {{ همدان }} ، وقد نشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .

المرحلة الثانية : إسلام " باذان " حاكم اليمن الذي وضعه الفرس، و كان
يحكم صنعاء وعدن وما حولهما ، أتذكرون هذا الاسم ؟؟ قلنا في أجزاء " الرسائل " إنّ كسرى مزّق الرسالة ، وطلب من " باذان " حاكم اليمن أن يأتيه بالنبي محمد، وأرسل باذان رجلين فقال لهما – صلى الله عليه وسلم - : " إنّ ربي قتل ربكم الليلة ، وتأكد باذان من نبوءة نبيّنا ، وأن كسرى قُتل على يد ابنه شيرويه في نفس الليلة ؛ فأسلم و أسلم كل الفرس تقريبا في اليمن، وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة . ومات باذان بعد ذلك، وتولى الأمر بعده ابنه المسلم الفارسي الأصل {{ شهر بن باذان}}

الذي في عهده ظهر {{ الأسود العنسي }} فمن هو الأسود العنسي ؟؟ قلنا في الجزء السابق إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أصحابه أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سوارين من ذهب فاغتمّ لذلك ، ونفخهما فطارا ،وكان تأويل الرؤيا مقتل مسيلمة والأسود العنسي .
والأسود العنسي، اسمه {{ عبهلة بن كعب}} وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون ،والعنسي نسبة إلى قبيلة {{عنس }} باليمن ،وكان سيدا على بعض قبائل اليمن، وكان قوي البنية، حلو اللسان، وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ،

فأعلن العصيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشرة من الهجرة ، وقبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين فقط، ويبدو أنَّ معارضي الوجود الإسلامي من مختلف القبائل أيَّدوا حركته ؛ بعضهم تعصّبا ، والبعض الآخر رأى فيه ممثِّلًا لمصالحهم [[ فقد قالوا إنّ الزكاة التي يرسلونها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في لغتنا اليوم هي ( أتاوة ) ترسلها اليمن إلى قريش ]] ، كذلك ادّعى أنه نبي يوحى إليه ، فارتدّ خلق كثير من اليمن ، واتبعوا تعاليمه .


سار (( الأسود العنسي )) إلى نجران ، واستولى عليها ، بعدها اتّجه إلى صنعاء ومعه {{٧٠٠ }} مقاتل ،فخرج إليه {{ شهر بن باذان}} ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل ، وتقاتلا ، فغلبه الأسود العنسي وقتله ، ثمّ تزوج من امرأته الفارسية {{ آزاد}} ، فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم الأسود العنسي لمدة أقل من شهر ، فلم يركن النبيُّ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلى الهدوء وهو يرى جهوده الرَّامية إلى نشر الإسلام في اليمن وتوحيد قبائله تتعرَّض للنكسة على يد " العنسي " فاعتمد على القوى المحليَّة ، وأرسل إلى عمَّاله في تلك الجهات يحثُّهم على الاستعانة بالثابتين على الإسلام، والصمود أمام المنشقِّين، والقضاء على " العنسي " ، فاجتمع عدد من زعماء القبائل وقرروا اغتيال الأسود العنسي ، ومن بينهم عامل الفرس [[ فيروز الديلمي ]] وهو ابن عم " آزاد " زوجة الملك " شهر بن باذان " الذي قتله الأسود العنسي ، فهي حاقدة عليه لأنه قتل زوجها ، فسقته الخمر حتى نام، ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي ، وتروي كتب السيرة أنّ الراجح هو مقتل الأسود العنسي قبل وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بيومٍ أو بليلة، وورد الخبر من السماء بذلك، وأعلم – عليه الصلاة و السلام - أصحابه به، ولكنَّ الرُّسل وصلت في خلافة أبي بكرٍ و أتت ببقية الأخبار .

المرحلة الثالثة : إسلام قبيلة {{ حِمْيَر}} ، وهي أعظم القوى القَبَلية في
اليمن وأعرقها، فقد أرسل إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من رسول، حتى أسلم أهل حمير وملوكها، وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد غزوة تبوك .

المرحلة الرابعة : إسلام {{ نصارى نجران }} ، وتحدثنا عنهم في جزأين
وقلنا إنهم أكثروا الجدال مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمور الإسلام و خلق عيسى – عليه السلام – ثم اتّبع معهم نبينا الكريم أسلوب المباهلة ، و أخيرا أقروا بدفع الجزية ، ثم عادوا بعدها مسلمين .

المرحلة الخامسة : إسلام قبيلة {{ همدان }} ،أرسل إليهم النبي - صلى الله
عليه وسلم - {{ علي بن أبي طالب}} وعقد له لواء ، وأعطاه كتابا يقرؤه عليهم ، و بشّره أنّ الناس سيتقاضون إليه ؛ فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق ، فلمّا وصل إليهم لم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً ، بل أخرج الرسالة وقرأها عليهم ؛ فعندما أتم القراءة أعلن الجميع إسلامهم ،

ثم استقبلوا عليا - رضي الله عنه – ومن معه خير استقبال ، وأخذ عليّ – رضي الله عنه - يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن ، وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة من الهجرة ، وبعث بعدها - عليه الصلاة و السلام – (( معاذ بن جبل و أبا موسى الأشعري )) ليتولّيا قيادة اليمن، بعد نجاح السرايا وإسلام أهل اليمن .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 06-03-21, 07:02 AM   #273
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 260 »
السيرة النبوية العطرة (( حجة الوداع / ج1 - مقدّمة - ))
__________
كثيرًا ما ينتهي عمر إنسان دون أن يرى حلمه يتحقق، ودون أن يشاهد خطته تنجح، ولكن من سعادة الإنسان حقًّا أن يطيل الله تعالى في عمره حتى يرى ثمار عمله، ونتيجة جهده، فيسعد بذلك أيَّما سعادة، ويشعر أن تعب السنين لم يذهب هباءً منثورًا، ولا يشترط للإنسان المخلص أن يرى نتيجة كَدِّه وتعبه، لكن لا شك أنها نعمة من الله تعالى، ومِنّة عظيمة لا تقدّر بثمن .

وحيث إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحبّ الخلق إلى الله تعالى، فإنه شاء سبحانه ألا يموت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى تقرّ عينه برؤية ثمار جهده الطويل، وتعبه المضني، وجهاده الذي لم ينقطع .

لقد عاش - صلى الله عليه وسلم - حتى رأى الجزيرة العربية بكاملها تقريبًا تدخل في الإسلام، وتُقِرُّ به بعد حرب ضروس، ومقاومة عنيفة. ها قد دخل الناس في دين الله أفواجًا، وها قد وصلت الدعوة إلى معظم أماكن المعمورة، ها قد مُكِّن للإسلام، وارتفعت رايات التوحيد في كل مكان، ها قد عادت الكعبة المشرفة إلى حقيقتها،

رجعت كما كانت أيام إبراهيم تعالى بيتًا يُوحَّد فيه الله، ولا يُشرك به أحدًا ، ولا أستطيع وصف سعادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكل هذا الخير، لقد كان يسعد - صلى الله عليه وسلم - إذا آمن رجل واحد، وكان يقول: «لأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» ، فكيف بهداية أغلب الجزيرة العربيّة وما حولها ؟ .

فها هو الآن، لا يرى رجلاً ولا رجالاً يؤمنون فقط، بل يرى الجموع الغفيرة، والقبائل العظيمة، والبلاد الكثيرة تدخل في دين الله أفواجًا، سعادة لا تدانيها سعادة في الدنيا، أن تجد الأفراد والشعوب يختارون طريق الهدى، ويَنْعَمون باتباع شرع الله رب العالمين .

لكن في الوقت نفسه، فإن رؤية كل هذا التمكين، وكل هذا الفتح المبين كان يحمل معنى آخر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعموم المسلمين، وهو أن مهمَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كرسول قد أشرفت على الانتهاء. . .
إن مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت البلاغ، وها قد تحققت مهمته على الوجه الأكمل، فوصلت الرسالة بيضاء نقية إلى كل أهل الجزيرة العربية، بل تجاوزت ذلك إلى ممالك العالم القديم، فوصلت الدعوة إلى فارس والروم ومصر واليمن والبحرين وعُمان وغيرها، واكتملت كل -أو معظم - بنود الشرع الحكيم.

وإذا كان قد حدث ذلك، فمعناه أن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء. جاء في مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أنه بعثه إلى اليمن وقال له: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي».

وفي شهر ذي القعدة من السنة العاشرة بدأ - صلى الله عليه وسلم - في الاستعداد للقيام بالحج للمرة الأولى في حياته ، والتي عُرفت في التاريخ ب :
[[ حجة الوداع ]] ، ودعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية،

وتوافدت فعلاً القوافل متجهة إلى المدينة لصحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في طريقه من المدينة إلى مكة، ومنهم من التقى معهم على الطريق، ومنهم من انتظره عند مكة ، وقد تجاوز المسلمون الذين حضروا هذه الحجة مائة ألف مسلم، وذكر بعض الرواة أن عددهم كان يزيد على مائة ألف وأربعة وأربعين ألفًا من المسلمين .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
___________


 


قديم 06-05-21, 06:19 AM   #274
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 261»
السيرة النبوية العطرة (( حجة الوداع / ج2 - إعلان الحج - ))
__________
أقبل رمضان من السنة العاشرة للهجرة ، فصام - صلى الله عليه وسلم - رمضان للمرة العاشرة في دار الهجرة ، واعتكف (20 ) يوماً ، وقرأ له جبريل ما نزل من القرآن مرتين، وليس مرة واحدة كما كان في أشهررمضان السابقة ، وقد كان يعتكف في كل عام عشرة أيام، وهي العشر الأواخر من رمضان ،

وقد لاحظ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- تكثيفه للوعظ و الإرشاد ، ومداومة جلوسه معهم ، فشعروا كأّنه يودّعهم ، وكان هو – صلى الله عليه وسلم – قد شعر بذلك قبلهم فقال لأصحابه : كان أخي جبريل يراجعني القرآن في كل عام مرة [[ أي في رمضان ]] أما هذه السنة فقد راجعنيه مرتين [[ أي من باب التأكيد ]] ، فعلم الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم – أن أيام بقائه في الدنيا أوشكت على نهايتها .

فلما مضى رمضان ، ومضت أيام عيد الفطر ، أعلن - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أنه سيخرج للحج في هذا العام ، وأرسل إلى جميع المسلمين في كافة البلاد أنّ من أراد أن يشهد الحج مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فليأت إلى المدينة المنورة [[ كي يأخذوا عنه مناسكهم ]] .

وكما سبق وقلنا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حج البيت بعد أن فرض الله الحج إلا مرة واحدة وهي هذه الحجة - حجة الوداع - في السنة العاشرة للهجرة ، أمّا العمرة فقلنا إنه اعتمر ( 4 ) مرات [[ عمرة الحديبية ،

وعمرة القضاء ،عمرة بعد رجوعه من غزوة حنين ،عمرة مقرونة مع الحج التي هي موضوع حديثنا ]] ، وكانت عمراته في {{ ذي القعدة }} ليعلن خلاف عقيدته مع قريش ، لأن قريش كانت تقول للعرب : عمرة في الأشهر الحرم فسوق [[ وذي القعدة من الأشهر الحرم ]] و كانت تقول أيضا : العمرة في سائر السنة إلا أشهر الحج ؛ وذلك حتى يجبروا العرب أن يأتوا في موسم الحج وفي غير أشهر الحج من أجل مكاسبهم المادية .

فلما أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيخرج للحج في هذا العام
بدأت الوفود تصل إلى المدينة المنورة ، فقدم المدينة بشر كثير من كل أنحاء الجزيرة يريدون أن يحجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وضُربت لهم الخيام في أرض المدينة وبساتينها ، حتى بلغ عدد من وصلوا إلى المدينة أكثر من ( ١٢٠ ألفا ) ، ولحق به في الطريق خلق كثير تجاوز ال ( 40 ألفا ) ، والكل يرجو لقاءه و شرف صحبته ، وكما تعلمون أنّه من شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة في حياته

[[ أي رآه مرة وهو مسلم ومات على ذلك ولم تقع له ردة ]] يُعدّ في الصحابة و المرأة تعد في الصحابيات . ولنا أن نتخيل هذا المشهد ، فالكثير ممن أسلم من القبائل العربية خارج المدينة لم يشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ، وكان شوقهم له كشوقنا نحن له ، فالكل يرجو صحبته ،(( اللهم اجمعنا به في جنّات النعيم )) .

فلما كان {{ ٢٥ من ذي القعدة }} وكان يوم جمعة ، صعد - صلى الله عليه وسلم - منبره وخطب بأصحابه الجمعة ، طبعا لم يتسع المسجد لهذه الأعداد الهائلة ، فأي مسجد يسعهم ؟!! ولكن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجالا خارج المسجد أن يبلغوا الناس عنه ، ويرددوا كلماته في الخطبة كلمة كلمة حتى يعم خطابه جميع للناس ، فحثهم على تقوى الله ، وأن يعقدوا النية للحج ، فقال لهم : (( منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ )) ،

أي أنّ الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث [[ وهو الفحش في القول وإتيان النساء ]] ، والفسوق [[ وهو مخالفة الطاعة ، فالطاعة هي أن لا يترك الإنسان ما أوجب الله عليه ، ولا يفعل ما حرم الله عليه ، فإن خالف هذا فهو فاسق ]] ، فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب ، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه .
واستعد الناس للحج ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه أن يُجهّزن أنفسهنَّ جميعا للحج . . . يتبع

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 06-07-21, 06:44 AM   #275
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 262 »
السيرة النبوية العطرة (( حجة الوداع / ج3 - نيّة الإحرام - ))
__________
نحن الآن في السنة العاشرة للهجرة ، ففي {{ ٢٥ من ذي القعدة }} من هذه السنة ( وكان يوم جمعة ) صعد - صلى الله عليه وسلم - منبره وخطب بأصحابه الجمعة ، واستعد الناس للحج ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه أن يُجهّزن أنفسهنَّ جميعا للحج ، فلما كان يوم السبت صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر في مسجده ،

ثم دخل إلى حجرة السيدة {{ عائشة - رضي الله عنها وأرضاها -}} ، فاغتسل ، وأسقط ما يجب إسقاطه من شعور

[[ أي حلق شعر الإبط وشعر الوسط ]] ، وقص الأظافر استعداداً للإحرام ، ولبس إحرامه - صلى الله عليه وسلم - في حجرة السيدة عائشة [[ وللتنبيه لمن أراد الحج والعمرة : الاغتسال ولبس الإحرام لا يعد أنه أحرم ، بل هو الاستعداد للإحرام ، أمّا الإحرام فهو صلاة ركعتين في الميقات وإعلان التلبية ]] .


وتطيّب - صلى الله عليه وسلم – في بدنِه، ولبَّد شعره [[ وتلبيد الشعر أي دهنه بالزيت ]] تقول السيدة عائشة : (( فأتيته بالغالية فتطيّب " وليست الغالية سعرها غالٍ! لا .هو اسم لنوع من العطر يكون مزيجا بين المسك والعنبر" وأكثر – عليه الصلاة و السلام - من الطّيب حتى وكأني أنظر الى وبيص المسك في مفرقه " الوبيص : هو بريق المسك ولمعانه في مفرقه أي في شعره )) . ويجوز للمحرم الحاج أو المعتمر قبل الإحرام أن يتطيب في بدنه - وهذه سُنّة - ولكن لا يطيّب ثياب الإحرام .

ثمّ لبس – صلى الله عليه وسلم - ثياب الإحرام ( ثوبين أبيضين ) ، وخرج وقد جُهزت له ناقته على باب حجرة السيدة عائشة - رضي الله عنها - وخرج من حجرتها ، وأطل على أصحابه - صلى الله عليه وسلم - بطلعته النّورانية ؛ أجلّ وأكمل وأجمل من البدر ليلة الكمال ، وأكثر الوفود التي أتت للمدينة لم تكن رأته من قبل ، وكثير من أصحابه لم يره قبل اليوم محرماً ؛

فلما أطل عليهم الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ضجّت المدينة كلها بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فحيّاهم ، وسلّم عليهم ، ثم ركب ناقته .

خرج - صلى الله عليه وسلم - حاجاً من المدينة المنورة ؛ والناس مدّ البصر حوله وعن يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه ، وسار بهم إلى (ذي الحليفة ) ما نعرفه اليوم ب ( آبار علي ) ، وخرج بهم يوم السبت قبل أذان العصر بقليل ، فصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً [[ وهنا بدأ القصر لأننا في سفر ]] ، وأمر أن تنصب الخيام ، ويبيت الناس في ذلك المكان ،

وقد نتساءل : بين المدينة و ذي الحليفة ستة أميال [[ يعني ١٣ دقيقة سفر ]]، فهل يحتاج هذا السفر إلى المبيت ؟؟؟

كان من الممكن أن يصلي ركعتين ويلبي وينطلق !! ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم ما لا يعلمه غيره ، وذلك بفضل ما علمه الله، قال تعالى : {{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }} فقد بات تلك الليلة {{ ليبيّن لهم الأحكام }} ، ثم صلى بهم المغرب ( 3 ركعات ) وصلى العشاء ركعتين .

وفي تلك الليلة جاء المخاض أسماء بنت عميس [[ تكون زوجة أبي بكر، تزوجها بالمدينة ]] ،وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر إلى أبي بكر: لقد ولدت لك ذكراً ؛ فسماه أبو بكر {{ محمدا }} . ثمّ ذهب أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – إلى رسول الله – عليه الصلاة و السلام - وقال : يا رسول الله ، ماذا تصنع أسماء الآن ؟؟

فقال له : تغتسل ثم تستذفر بثوبٍ سميك [[ تستذفر : ما تفعله المرأة لتحفظ جسدها من سيل الدماء ؛لأنها نفساء ]] ، وتُحرم معنا، وتفعل كل ما يفعله الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تَطهر .

وحدث هذا الموقف أيضا مع السيدة عائشة – رضي الله عنها - في الطريق بعد ذلك ، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمتها فوجدها تبكي ، قال : ما بكِ ؟ أنفستي ؟؟ [[ هي ليست حامل ، ولكن يقال للحيض نفاس وللولادة نفاس لأن الرحم تخلص مما فيه وتنفس ]] . قالت : أجل يا رسول الله . قال : وما عليكِ ؟؟ اصنعي كل ما يصنع الحاج ، غير أنك لا تطوفين بالبيت .

فبات بهم – صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ثم صلى بهم الفجر، ثم أذن لمن لم يغتسل من الناس أن يغتسل ويستعد ، فاغتسلوا ، وأسقطوا شعورهم ، ولبسوا ملابس الإحرام .

وما أجمل هديك يا سيدي يا رسول الله !! لو أنه لم يغتسل ويلبس إلا بذي الحليفة لكانت سُنة مؤكدة لا يجوز للمعتمر أو الحاج أن يستعد في بيته ، والآن استغرب من مفهوم الناس للإحرام !! لا يغتسلون ولا يستعدون إلا في {{ آبار علي }} !! والنساء و الرجال يدخلون في زحام مع الآخرين حتى يغتسلوا !! فالغسل في البيت هو ما قام به – صلى الله عليه وسلم - ،

وهذا تيسير على النّاس ، لذلك ممكن أن تُسقطوا الشّعر و تقلّموا الأظافر و تغتسلوا وتتطيّبوا في بيوتكم أو في مكان إقامتكم ، ثم تذهبون للميقات ، وتصلون ركعتين ، و وتعقدون بعدها النية . وتشرعون بالتلبية معلنين نيّتكم بالإحرام ، وهذا هو هدي محمد – صلى الله عليه وسلّم - .

إذن استعد الناس للحج ، ثمّ أمرهم – صلى الله عليه وسلم - بصلاة ركعتين ، كل بمفرده [[ يعني ليست جماعة ]] ،وكان عمه {{ العباس - رضي الله عنه -}} جهوري الصوت ، وأيضا رجل آخر من الأنصار يقفون ويبلغون الناس عنه ما يسمعون، حتى يسمع الجميع؛

لأن عدد الناس كبير . ثمّ بدأ - عليه الصلاة و السلام – بالتلبية من مُصلّاه ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، والجميع يُردّد معه .

يقول جابر - رضي الله عنه - : خرجنا معه نيف عن مائة ألف لا نعرف إلا الحج ، ما معنى لا نعرف إلا الحج ؟؟ أي أنهم خرجوا للحج فقط ، ولا يعلمون أنه ستكون هناك عمرة مع الحج ، [[ و سنوضّح هذا الأمر في سياق السيرة لاحقا ، لأننا نعلم أنّ النبي في حجة الوداع حج و اعتمر ]] .

وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ساق هديه معه من المدينة ، أي الإبل التي تُهدى إلى الكعبة ، وتُنحر ليأكل منها الفقراء والمساكين ، فأشعرها [[ أن نأتي إلى سنام الجمل ذكراً كان أو أنثى، يُجرح بشيء حاد قليلاً بسنامه حتى يسيل الدم ويُمسح سنامه بالدم ]] ، وقلّدها [[ علّق على رقبة الإبل شيئا من جلد أو متاع ، ليعرف الناس أن هذه الإبل هي هديا سينحر عند الكعبة للفقراء و المساكين ، وليس للبيع أو الشراء ]] .

وانطلق - صلى الله عليه وسلم - بين مئة ألف ونيف من الألوف المؤلفة من أصحابه ،[[ المؤلفة لست أعني هنا كما تظنون العدد الكبير، بل ألّف بين قلوبها الإسلام و الإيمان ]] ،

وشهد الكون كله حدثاً إيمانياً لم يشهده من قبل ، ولن يشهده من بعد ؛ رسول الله وحبيبه - صلى الله عليه وسلم - والصحابة من حوله يحفون به من كل جانب ، أصواتهم ملأت الأفق بالتلبية ، ليسوا بحاجة للسلاح ، ولا للدروع ، ولا لفئة تحرس ، ولا من يشق لنا الطريق، فالجزيرة العربية كلها تدين بالتوحيد، تدين بدين {{ الله }} عزوجل .

وفي حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – ، وفي كل لحظة عشناها معه نجد الدروس و العِبر ، وفي حجة الوداع لنا الكثير من الوقفات و الدروس ، فالسيرة النبوية العطرة {{ للتأسي لا للتسلي }} ، رزقني الله وإياكم كمال محبته ، وحسن الاقتداء به بالقول والعمل .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 06-09-21, 06:47 AM   #276
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:32 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 263 »
السيرة النبوية العطرة ((حجة الوداع / ج4 - مقاطعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزينب بنت جحش رضي الله عنها - ))
__________
مضى الموكب الجليل الجميل باتجاه مكة ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بين عشرات الآلاف من أصحابه ، رافعين جميعا أصواتهم بالتلبية ، منيبين إلى الله بقلوب صافية بيضاء كبياض ملابس إحرامهم ، والكل يدعو الله أن يغفر الذنوب ، و يصفح عن الزلات ، وكما قلنا هناك الكثير الكثير من الأحداث و الدروس في هذه الحجة ، ومن هذه الأحداث مقاطعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لزوجته زينب بنت جحش - رضي الله عنها - فما الذي حصل ؟

بعد أن مضى - صلى الله عليه وسلم - في الطريق قيل له : يا رسول الله لقد برك جمل صفية ،ولم يعد يقو على المسير!! أتذكرون من هي صفية ؟؟

[[ صفية بنت حيي بن أخطب تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر ]] فبكَتْ بكاء شديدا، فجاء رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فجعَلَ يَمسَحُ دُموعَها بيَدِه، وهي تَبكي، وهو يَنهاها.

[[ بكت صفية لأنها ستؤخّر الركب ، و تؤخر خير خلق الله عن السفر لأنه لا يمكن أن يسير الصحابة و يتركوها ، وهي تشعر الآن أنها ستتسبب في مشكلة للنبي و لصحبه الكرام ، وقد ينظر الناس إليها نظرة تشاؤم ، وهكذا طبائع النساء وتفكيرهن في بعض الأحداث ]] ، فنزَلَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – بالنَّاسِ ، أي أنه{{ أقام مدّة خلال الطريق }}

، فلما كان عندَ الرَّواحِ، قال لزَينَبَ بِنتِ جَحشٍ : أفْقِري أُختَكِ جَملًا {{ أعطيها جملا }} ، [[ أتذكرون قصّة زينب بنت جحش؟ هي التي زوجه الله إياها في القرآن الكريم ، من فوق سبع سماوات ، قال تعالى : {{ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا }} وكانت تفخر على أمهات المؤمنين قائلة : ما منكم امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها ، إلا أنا زوجني الله من فوق سبع سماوات . وكانتْ زينب مِن أكثَرِهنَّ ظَهرًا {{ عندها كثير من الإبل }} ، فقالتْ: أنا أُفقِرُ يَهوديَّتَكَ!!

[[ يعني ما رح أعطي صفية اليهودية جملا لتركبه ]] ، فغضِبَ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فلمْ يُكلّمْها حتى رجَعَ إلى المدينةِ، ومُحرَّمَ، وصَفَرَ؛ فلمْ يَأتِها، ولم يَقسِمْ لها، . . .

ويبدو أنّ زينب - رضي الله عنها – قد غلبتها نفسها ، فهي بشر والبشر غير معصومين ، فقد تعجلت - رضي الله عنها - بالرد وغاب عنها جلال الموقف!! فالذي يخاطبها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لكنها نظرت إليه في تلك اللحظة أنه محمد {{ الزوج }} وليس {{ النّبي }} !! فقالت : أنا أعطي يهوديتك هذه ؟؟ فنسبتها لليهود، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم -غضبا شديدا ،

وكان يُعرف أنّه إذا غضب تربد وجهه كأنه فُقئ به حب الرمان ، وترك السيدة زينب لا يتحدث إليها ولا يكلمها طوال حجة الوداع ، وبعد أن عاد إلى المدينة هجرها إلى أن مرض وثقل عليه المرض وعلم أنه مقبوض؛ ذهب لحجرتها ، فقامت زينب لما رأته فرحة لم تسعها الأرض من فرحتها ، وقام – صلى الله عليه وسلم – و أحضر الفراش بنفسه وفرشه ، ونام تلك الليلة عندها .

ومما لا شكّ فيه أن سبب مقاطعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لزينب بنت جحش هو محاربته للعصبية: (( دعوها إنها منتنة )) ، و(( ليس منا من دعا إلى عصبية ))، فزينب وصفت صفية باليهودية ، والإسلام يجبّ ما قبله ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمها و يعلمنا أنّ هذه العصبية فتنة ، وما أكثرها الآن !! وما أعظم أثرها السيء على وحدة المجتمع وصلاحه !! فمعرفة الشخص لنسبه نعمة خالصة من الله ، فهو- سبحانه - شاء لك أن تولد ابن فلان ومن العشيرة الفلانية ، ومن البلد الفلاني، فالنسب نعمة تستحق الشكرلا الفخر، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة حيث قال:

((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ))، وقبل ذلك قول الله تعالى: {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }} ،

فليس عيبًا أن يعرف الإنسان نسبه حتى يتحقق التعارف بين الناس شعوبهم وقبائلهم، ولكن العيب أن يكون ذلك مدعاة للعصبيّة وللتعاظم والتعالي ، واستحقار أصول الآخرين .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة



| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 04:08 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا