منتديات مسك الغلا | al2la.com
 


من تاريخ هذا اليوم أي إساءه مهما كان نوعها أو شكلها أو لونها تصدر علناً من عضو بحق عضو أو مراقب أو إداري أو حتى المنتدى سيتم الإيقاف عليها مباشره وبدون تفاهم :: قرار هام ::

Like Tree27Likes
موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-21-21, 07:40 AM   #217
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 204 »
السيرة النبوية العطرة (( الخروج إلى الحديبية ))
______
بعد هزيمة قريش و القبائل المتحالفة معها في غزوة الأحزاب ، وبعد نجاح مهمة العدد الكبير من السرايا في السنة السادسة للهجرة ، أصبح المسلمون هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة ، ومع نهاية السنة السادسة للهجرة ، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ رؤيا في منامه }} ، رأى المسلمين يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم ، [[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]] ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى .

وعلى الفور دعا - صلى الله عليه وسلم – المسلمين للخروج لأداء {{ العمرة }} ، كانت الفكرة مفاجئة للجميع؛ فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ، بل في أوجها ، ومجرد الاقتراب من مكة فيه خطورة شديدة ، ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية وأعراف قريش نفسها تقضي بأن لا تتعرض قريش لمن يدخل بيت الله في مكة المكرمة، بل عليها أيضا حمايته ، وإطعامه وسقايته ، وفي ديننا الحنيف لا يجوز لأحد أن يصدّ الناس عن البيت الحرام ، فهو مكان مقدّس لجميع المسلمين ، قال تعالى :

{{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم }} .

ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة عند الصحابة ، لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريشا ستحترم هذه الأعراف ، وقد انتهكت قريش أعرافها قبل ذلك كثيرا ، ولو كان الأمر هكذا سهلا لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية مرارا و تكرارا . ولذلك لم يستجب للنبي - صلى الله عليه وسلم - سوى المؤمنين بحق، بينما رفض المنافقون الخروج إلى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم ، فكان عدد الذين خرجوا حوالي {{ ١500 }} من الصحابة .

خرج - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وكان مع المسلمين عدد كبير من الإبل {{ الهدي}} ليذبحوها في مكة ، فأشعروها [[ جعلوا عليها علامة من دمها ]] وقلّدوها [[ وضعوا في عنقها قطعة جلد أو غير ذلك ]] ليعرف الجميع أنها متجهة لبيت الله الحرام ، ولا نيّة للحرب . وكانت تعليمات النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه هو الخروج بسلاح المسافر فقط [[ سيف أو خنجر بدون دروع و تروس وأقواس و سهام ]] حتى يؤكد لكل من رآهم أنه لم يخرج للحرب ، وإنما خرج لأداء العمرة .

وصل المسلمون إلى {{ ذي الحليفة – آبار علي الآن }} وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة، وأحرم المسلمون من هذا المكان، و بدؤوا في التلبية : لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. ، ووصلت الأخبار إلى قريش بقدومهم ، فأجمعت قريش رأيها على منعهم من دخول مكة ، وجمعوا لهم جيشا عند {{ كراع الغميم }} على بعد 63 كم من مكة ، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته ، فأشار إليه أبو بكر و الصحابة إلى مواصلة المسير، فنحن جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه.

فسلكوا طريقا آخر هو [[ عقبة وثنية ]] وهو طريق وعر، وساروا طوال الليل حتى يتجنبوا مواجهة قريش ، فلما وصلوا إلى منطقة تسمى {{ عسفان }} على بعد حوالي ٤0 كم من مكة ، أرسلت إليهم قريش قوة بقيادة خالد بن الوليد ، الذي شاهد المسلمين وهم يؤدون صلاة الظهر مطمئنين ، فعزم على مهاجمتهم إن هم صلوا مرة أخرى ، لأن الفرصة مناسبة جدا ، [[ وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من مواجهة المسلمين، حتى وهم بسلاح المسافر ، وقريش بكامل عتادها تريد الغدر ]] ،

فنزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - {{ بتشريع صلاة الخوف }} ، فلما حضرت صلاة العصر وقف يصلي بالمسلمين صلاة الخوف لأول مرة ؛ فصلى خلفه نصف الصحابة ، والنصف الثاني وقف لحراسة المسلمين ، وفي التشهد تمّ تبادل الأدوار، فلما رأى خالد بن الوليد ذلك وهو يراقبهم من بعيد؛ ذُهل !! وقال متعجباً : إن القوم ممنوعون !!! وكان هذا الموقف له أثر كبير في إسلامه بعد صلح الحديبية بأشهر قليلة . وعاد خالد و أخبر قريشا أن المسلمين لم يأتوا للقتال .

واصل المسلمون سيرهم حتى وصلوا إلى واد اسمه {{ الحديبية : فيه بئر ماء ضعيفة ينحني ( يحدودب ) ظهر الشخص وهو يملأ قربته لقلة مائها }} ، و أصبح المسلمون بينهم وبين مكة قرابة 3 كم ، أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكمل طريقه ويدخل مكة ، فبركت ناقته القصواء في الحديبية ولم ترض المسير، فقال لأصحابه :

(( ما خلأت القصواء [[ لم تمتنع عن المشي ]]، وما ذاك لها بخلُق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، والذي نفسي بيده لا يسألوني [[ أي قريش ]] خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها )) . وهذه إشارة من الله إلى عدم دخول مكة ؛ ليحفظ الله نبيه و المسلمين من غدر قريش ، وقبول أي خطة لتعظيم حرمات الله وعدم القتال في البيت الحرام .
فعسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في ذلك الوادي ،


ثم قال الناس : يا رسول الله ، لو نزلت بنا على غير ماء ، فإن بئر الحديبية لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ، ونحن كثير !!
ويروي ذلك جابر بن عبد الله ويقول :

(( عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ والنبيُّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - بيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ [ إناء من جلد ] فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ [ أسرع ] النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ : ما لَكُمْ؟ قالوا: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ ولَا نَشْرَبُ إلَّا ما بيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ في الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَثُورُ بيْنَ أصَابِعِهِ، كَأَمْثَالِ العُيُونِ، فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا . قُلتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً )) .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 03-21-21, 07:42 AM   #218
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 205 »
السيرة النبوية العطرة (( مفاوضات الحُدَيبية ))
______
بركت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم – " القصواء " في الحديبية ، وأقام المسلمون معسكرهم استعدادا لدخول مكة و أداء العمرة ، وفي ذلك الوقت كانت قريش في قمة ارتباكها ، لأنها لا تعرف ما الذي تصنعه ؟؟ لاهي قادرة على قتال المسلمين !! ولا هي راضية أن يدخل المسلمون إلى مكة !!! فماذا فعلت ؟ و ماذا فعل المسلمون أيضا ؟

أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد الصحابة وهو {{ خِراش بن أمية }} - رضي الله عنه - إلى قريش ليخبر قريشا أنّ المسلمين جاؤوا معتمرين فقط ، ولكن ما إن دخل مكة حتى اعترضته قريش ، وعقروا ناقته وكادوا يفتكون به لولا أن منعهم سيد الأحابيش [[ للتنبيه الأحابيش لا تعني أهل الحبشة كما يظن البعض ، بل هم خليط من الأعراب المحيطين بمكة ( تحبّشوا / تجمّعوا) مع بعضهم ]] ، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما حدث .
أمّا قريش فكانت لا تريد أن تظهر في مفاوضاتها مع المسلمين بمظهر الخائف و الساعي إلى الصلح [ مع أنهم خائفون ويريدون الصلح ] ،

فلم ترسل أحدا من سادتها و قادتها كأبي سفيان مثلا أو خالد بن الوليد أو غيرهم ، فبدأت أوّل مرة بإرسال سيّد خزاعة {{ بديل بن ورقاء }} ومعه نفر من قومه ، وخزاعة كان فيها المسلم والكافر، وكانت قلوبهم تميل إلى المسلمين ، فلما وصل بديل ومن معه رأوا المسلمين شعثاً غبراً محرمين وليسوا معتدين ، وقد رفعوا أصواتهم بالتلبية ، فحاول المناورة ؛ حيث أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنّ قريشا أعدّت له أعداد مياه الحديبية ، ومعهم العُوذ المطَافِيل، [[ أي الإبل التي تحلب والتي لا تحلب ]] و أن قريشا مستعدة للحرب و لن تسمح لك بدخول مكة .
فقال له الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :

إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين ، وإن قريشاً قد أنهكتها الحرب ، [[ يعني ما تقوله غير صحيح ]] فإن شاؤوا ماددتهم [[ يكون بينهم هدنة فترة من الزمن ]] ، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس [[ الدخول في الإسلام ]] ، وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي [[ أي تقطع رقبتي ]] أو لينفذنّ الله أمره . [[ ردود بمنتهى الرزانة والثقة بالنفس ]] . رجع بديل بن ورقاء إلى قريش وحدثهم بما رآه وبما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالت له قريش :اجلس ، لم تكفنا شيئاً . [[ يعني ما استفدنا منك اشي ]] .

واختارت قريش أن ترسل رجلا آخر وهو {{ الحليس بن علقمة }} سيد الأحابيش مع عدد من أصحابه ، فلمّا رأى المسلمين يلبّون و قد أحضروا معهم الهدي وقلّدوها و أشعروها، قال : ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدوا عن البيت، ولم يكلّم رسولنا في شيء، بل عاد إلى قريش وقال لهم : ويحكم يا قريش !!! تصدون عن البيت من يعظم شعائر الله ؟؟؟ ما على هذا تحالفت معكم !! فلما رأى رجال قريش غضبه ، استرضوه وأجلسوه وقالوا : لا عليك يا حليس ، سنأخذ منه ونعطي .

ثم سألت قريش بعد ذلك سيد الطائف {{ عروة بن مسعود الثقفي }} ، قالت له : تذهب إلى محمد يا عروة ؟؟ فقال لهم : لقد رأيت وسمعت ما كان بينكم ، وبين من أرسلتم قبلي ، وأنا رجل لا أرضى الاتهام [[ يعني انتوا ناس لا تحسنوا الظن بأحد ، كل ما ترسلوا واحد يزكي قدوم محمد ، ويعيب عليكم ، فتكذبوه ]] ، وأنتم يا سادة قريش الوالد وأنا الولد [[ لأن أمه من قريش ، يعني انتو أخوالي ، ولن أغُشّكم و أكذب عليكم ]] ، فإن أتيت محمدا وقلت رأيي فيه ، فأنا لا أرضى أن تخالفوني الرأي ، فوافقوا وأرسلوه .

وصل عروة بن مسعود إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له : لماذا قدمت يا محمد ؟؟ قال :
ألا ترى يا عروة ؟! نحن محرمون ومقلدوا الهدي ومشعرون ، ورافعوا الصوت بالتلبية ، شعثاً غبراً ، نريد أن نطوف بهذا البيت كسائر العرب . قال عروة: يا محمد ، لقد تركت رجال قريش وقد جمعوا لك، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت ، وهم لا يرضون أن تدخلها هذا العام ، فإذا أبيت قاتلوك ، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين : أن تجتاح قومك، ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك[[ يعني تقاتل أهلك في بلدك ، وهذا الشيء منكر]] أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس [[ يعني هؤلاء الذين تحتمي بهم ؛ إن قاتلَتك قريش سيهربون ويتركونك لأنهم عبارة عن سَفَلَة الناس ولا أعرف أنسابهم ]] .

فغضب أبو بكر الصديق - رضي الله عنه وأرضاه – و الصحابة ، و ردّوا عليه بكلام يؤدّبونه ؛ لأنّ نسبهم من صميم قريش ، فصدم عروة من رد أبي بكر و الصحابة عليه، ووصلت له الرسالة واضحة تماما : إن الصحابة مستعدون بالتضحية بحياتهم في سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وعندما عرف عروة بن مسعود أن الذي تصدّر الرد هو أبو بكر ، قال : أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزِك بها بعد لأجبتك !! وكان عروة عليه دم في الجاهلية فأعانه أبو بكر بنصف الدية، فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود .

عاد عروة إلى قريش ، فسألوه : ها ! ما وراءك ؟
فقال لهم : والله لقد وفدت على الملوك ، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً !! والله ما أمر أمراً إلا ابتدروا إلى أمره ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده !! ولا يحدون البصر في وجهه تعظيماً له !! وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه !! وإني ناصح لكم ، فوالله إنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم . فخذوا رأيكم ، واتركوا محمداً وشأنه ، فإن أصابته العرب فذلك ما ترجون وإلا فعزه عزكم . . .

إذن ، ضعفت شوكة قريش وقالوا : أردنا أمراً ، فقلبه محمد علينا رأساً على عقب !! وأصبحت قريش الآن أمام العرب في موقف {{ المتّهم }} ، فقد شهدت قبائل العرب بأنّ محمدا وصحبه جاؤوا معظمين لبيت الله ، ولا يريدون حرباً ، فأخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين .

يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 03-22-21, 07:45 AM   #219
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 206 »
السيرة النبوية العطرة (( بيعة الرضوان ))
______
أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين ، ولكن كانت هناك معارضة من شباب قريش المتحمس لقتال المسلمين ، فقد نشؤوا على كراهية الإسلام ، وقتل المسلمون كثيرا من ذويهم في المواجهات مع قريش ، وحاول هؤلاء الشباب منع أي طريق للصلح ، فقامت مجموعة منهم - تُقدّر بثمانين شابا - بالتسلل إلى معكسر المسلمين ليقتلوا بعضا منهم فيوقعوا الفتنة بين الفريقين ، وتكون شرارة الحرب . فلما اقترب هؤلاء الشباب من معسكر المسلمين ، أحاط بهم الصحابة ، وتم القبض عليهم وقيدوهم ، ولم يُقتل أي شخص من الطرفين .

وجاؤوا بهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لكنّ النبي أطلق سراحهم دون حتى أن يطلب فيهم فداء، حتى يفسد عليهم مخططهم في إفساد جهود المصالحة وبذلك أكّد - صلى الله عليه وسلم – لقريش أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال، وأن طلبه للهدنة جاء من مركز قوة وليس ضعفا . قال تعالى في سورة الفتح :

{{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا }} .

واستمر وجود المسلمين في الحديبية أكثر من ثلاثة أسابيع ، ففكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل أحد الصحابة للكلام مع قريش مباشرة ، [[ لأن المفاوضين من قبل والوسطاء ربما لم ينقلوا الصورة كما أرادها – صلى الله عليه وسلم - ]] ، فاختار أن يرسل إليهم

{{ عثمان بن عفان }} - رضي الله عنه – فهو من بطون بني أميّة أصحاب الزعامة الآن في قريش ، ولن يجرؤ أحد على إيذائه ، وهو معروف بالحلم والحكمة و الكرم ، وشخصية محبوبة جدا في مكة ، وكانت مهمته أن ينقل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم – لقريش ، فالمسلمون جاؤوا لأداء العمرة و ليس للقتال ، فإن أرادت قريش الدخول في الإسلام فأهلا ومرحبا بها ، و إن أرادت أن تكون هناك هدنة بينها وبين المسلمين ، ولا تمنع أحدا من دخول الإسلام فبها و نعمّت ، و إذا أرادت قريش القتال فنحن جاهزون .

وكان في مكة مسلمون مستضعفون يكتمون إسلامهم خوفا من بطش قريش ، وهم متشوقون لرؤيته – صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالكعبة ، فإذا وصلت يا عثمان إلى مكة فبشر هؤلاء أن رسول الله يخبركم أنّ الله سيعز الإسلام والمسلمين . [[ ونحن أيضا يا رسول الله متشوقون لرؤيتك و للنظر إلى وجهك ومتشوقون لشربة ماء من يديك الشريفتين ، نتشوق للجنة و لنعيمها ويكفيني فيها نعمة واحدة ، أنك أنت فيها ، صلوات ربي وسلامه عليك ]] .

فلما انطلق عثمان قال الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد فاز بها عثمان ، فالآن يطوف بالبيت !!، فقال لهم : ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف [[ النبي يربّي رجالا ويعرفهم ]] .

وصل عثمان ودخل مكة ، ونزل في جوار صديقه {{ أبان بن سعيد بن العاص الأموي}} ، مع أن العرف هو عدم قتل الرسل ، ولكن هذا يدل على شدة العداوة التي كانت بين قريش والمسلمين . ثمّ استقبلته قريش ، ورحبت به ، وقالوا له : يا عثمان إن شئت فطف بالبيت . فماذا قال عثمان ؟؟ لا والله ، لا أطوف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه محاصرون ، وقد مُنعوا الطواف بها . هل رأيتم كيف يربي النبي الرجال ؟

ظل عثمان في مكة ثلاثة أيام كاملة ، هنا قامت قريش بنشر إشاعة في معسكر المسلمين وهي {{ إشاعة مقتل عثمان }} ليعرفوا ردّة فعل المسلمين ، فعرف النبي بفراسته أنها إشاعة !! فهو ينظر بنور الله ، وحتى يُظهر لقريش قوّة صفوف المسلمين ، ومدى محبتهم لله ولرسوله ، قام - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه وطلب منهم مبايعته على القتال وعدم الفرار ،

فاجتمعوا عند شجرة في أرض الحديبية ، [[ وقد عُرفت هذه البيعة ببيعة الشجرة ، واسم الشجرة شجرة السمرة ، وعرفت أيضا ببيعة الموت ، و بيعة الرضوان ]] ، لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم :

{{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }} .

بايع الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انتهوا، وضع – عليه الصلاة و السلام - يده فوق الأخرى وقال : هذه يد عثمان [[ وهذا دليل أنه كان يعلم أنها إشاعة ؛ فكيف يبايع عثمان على الموت و هو مقتول ؟! ]] .

وصلت أخبار{{ بيعة الرضوان }} إلى قريش ، فأصابها الخوف والهلع، فقالوا لعثمان - رضي الله عنه - : انطلق وقل لمحمدا أن قريشا وافقت على الصلح .
بقي أن نذكر أنّه وفي خلافة " الفاروق " عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلغه أن الحاج والمعتمر ، يعرجون على {{ الحديبية }} فيجلسون تحت تلك الشجرة يتبركون بها !!

فقال عمر : الله ، الله !!! أخشى أن تُعبد بعدي من دون الله !! فأمر أن تُقطع وذهب إليها بنفسه وقطعها ، وما عاد رجل يعرف أين مكانها إلى الآن .

يتبع . . .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 03-22-21, 07:47 AM   #220
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 207 »
السيرة النبوية العطرة (( بنود صلح الحديبية ))
______
علمت قريش ببيعة الرضوان ، وأدركت تماما أن المسلمين سيقاتلون بكل بسالة إن وقعت الحرب ، فاختارت طريق الصلح ، حيث أرسلت {{ سهيل بن عمرو }} وهو شخصية هادئة طيبة ، ولم ترسل أي واحد من زعاماتها حتى لا تصل إلى طريق مسدود - فهي لا تريد القتال -

فلما قدم سهيل مع رجال من قريش رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعيد فقال لأصحابه : قد سهل الله لكم أمركم ، ما أرسلت قريش هذا إلا لأنهم يريدون الصلح .
قدم سهيل وقال : يا محمد ، إن قريشا قد أرسلتني إليك أمثلهم فأعطيك وآخذ منك . {{ البند الأول }} :

أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام ، ولا تدخل عليهم عنوة أبدا ، ترجع الى بلدك [[ أي المدينة ]] . فصاح الصحابة: مكة بلدنا وبلد رسول الله !! فأشار إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اسكتوا ، فسكتوا . فأكمل سهيل : على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة ، فيدخلون مكة بسيوفهم فقط ، والسيوف في أغمادها ، ويبقون في مكة ثلاثة أيام فقط ، و تخرج قريش ، وتترك لهم مكة هذه الأيام الثلاثة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رضينا . [[ طبعا أرادت قريش من هذا البند حفظ ماء وجهها أمام قبائل العرب ، فدخول المسلمين مكة معناه كسر هيبة قريش و كبريائها : يعني عشان ما يطلعوا صغار قدّام العرب ]] .

{{ البند الثاني }} : وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رضينا . [[ وهذا البند في صالح المسلمين ، لأنه سيتيح للمسلمين التفرغ لبناء دولتهم ، والتفرغ للدعوة ولأن الدعوة في حالة الأمان أفضل من الدعوة في حالة الحرب ، وأيضا لإعطاء فرصة للمسملين لمحاربة عدوهم الثاني في الجزيرة العربية وهم اليهود ، أما قريش فستستفيد اقتصاديا ، و ستكون تجارتها في أمان نوعا ما ]] .

{{ البند الثالث }} : للعرب حرية الاختيار ؛ من أحب أن يدخل في دين محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في حلف قريش وعهدهم دخل فيه
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رضينا . [[ وهذا البند في صالح المسلمين ، فقد كانت قريش تمنع القبائل من دخول الإسلام ، وتهدّدها بقطع التجارة معها ، و الآن ستصبح هذه القبائل في حلف المسلمين مثل قبيلة خزاعة كما سنرى ]] .

{{ البند الرابع }} : من جاءك يا محمد من قريش مسلماً بدون إذن وليه ترده إلينا ، ومن جاءنا من أصحابك مرتداً ، بإذن وبغير أذن لا نرده إليك .
[[ أي أن يعيد المسلمون من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش، ولا تعيد قريش من ارتد من المسلمين إلى المدينة ]]!! فصاح الصحابة : لا نعطي الدنية في ديننا والله ، ونحن على الحق وأنتم على الباطل ، فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم بيده وقال : رضينا .

الجزء الثاني من هذا البند هو في صالح الدولة الإسلامية ، لأن المسلمين لا يريدون في الصف الإسلامي إلا المؤمنين فقط ، ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عيناً لقريش .

أما الجزء الأول من البند وهو ( أن يعيد المسلمون من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش ) فقد أثار ذلك اعتراض كل الصحابة تقريبا ، ووجدوا فيه ظلما للمسلمين ، وتحدث {{ عمر بن الخطاب }} إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -وقال: يا رسول الله لم نعطِ الدنية في ديننا ؟؟

[[ لأن الطبيعي أن تكون المعاملة بالمثل ، فلا يعيد المسلمون كذلك من أسلم من أهل مكة إلى قريش ]] ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعطي قريشا في هذه المعاهدة شيئاً مقابل أشياء كثيرة أخذها منهم ،وطالما هناك تفاوض ومعاهدة فلابد أن تأخذ شيئا وتعطي شيئًا، وإلا فما معنى التفاوض ؟؟ .

وحقيقةً فإنّ قريشا لم تستفد من هذا البند شيئا ، فبعد الصلح ، ومع أول حالة ، كان هناك {{ امرأة }} أسلمت وتركت مكة وهاجرت إلى المدينة، فنزلت آية ألغت هذا البند بالنسبة للنساء ،

قال تعالى في سورة الممتحنة : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }} .

فهذا البند كان بالنسبة للرجال ، و لم تستفد منه قريش ، وسنرى بعد فترة كيف انقلب هذا البند على قريش ، و كان وبالاً عليها .
إذن كانت المعاهدة في {{ صالح المسلمين }}

ولم يصل المسلمون إلى ذلك إلا بعد {{ ٦سنوات كاملة }} هي عمر الدولة الإسلامية إلى الآن وقت هذا الصلح ، قدم فيها المسلمون كثيرا من التضحيات والدماء والشهداء .وبعد أن تم الاتفاق بين الطرفين بدأت كتابة بنود هذا الاتفاق في صحيفة يوقع عليها الطرفان ،

[[ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّي لا يعرف القراءة والكتابة كما كان أغلب العرب، وهذا لتمام معجزة القرآن العظيم ]] فقال: ادنُ يا علي واكتب ، فكان الذي يكتب المعاهدة هو {{ علي بن أبي طالب }} والرسول – عليه الصلاة و السلام - هو الذي يملي عليه الكلمات، وهذه إشارة قوية إلى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين، لأنهم هم الذين يملون المعاهدة ويكتبونها .

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي : اكتب يا علي {{ بسم الله الرحمن الرحيم }} ، فنهض سهيل وقال : ومن الرحمن الرحيم هذا ؟؟ فوالله ما ندري ما هو !! اكتب ما نعرفه نحن {{ باسمك اللهم }} ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم -:_ اكتب يا علي : هذا ما تصالح عليه {{ محمد رسول الله }} ، فاستوقف سهيل مرة أخرى ،وقال: يا محمد ، لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله مع سهيل بن عمرو ،[[ يعني كيف نكتب في صحيفة أنك رسول الله ونوقع عليها، ونحن لا نعترف بنبوتك ونقاتلك ونصدك عن البيت ؟؟ ]]

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني رسول الله وإن كذبتموني ، امُحها يا علي واكتب : هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله مع سهيل بن عمرو ، [[ وكان علي قد أتم كتابة محمد رسول الله ]] ، فقال علي : لا والله لا أمحها ، ثمّ أشار له علي على مكان الكلمة ، فمحاها النبي - صلى الله عليه وسلم – بنفسه ، وهذا يدل على مرونته في التعامل – عليه الصلاة و السلام - .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 03-23-21, 08:42 AM   #221
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 208 »
السيرة النبوية العطرة (( ردود فعل الصحابة - رضوان الله عليهم - على صلح الحديبية ))
______
بعد أن تم الاتفاق على بنود الصلح ، وقبل أن يتم توقيع المعاهدة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل بن عمرو ؛ حدث أمر لم يكن متوقعاً ، زاد من همّ الصحابة وكربهم [[ يعني بلغتنا ، زاد الطينة بلة ، فالصحابة لم يكونوا راضين تماما عن الصلح ، وأن يعودوا إلى المدينة بدون عمرة ]] ، فعندما أرادوا التوقيع سمعوا ضجة بين الناس ، فقام الرجال ينظرون ، ما الأمر ؟؟ إنّه رجل من قريش أقبل عليهم مسلماً ، اسمه {{ أبو جندل }} أتعرفون من هو ؟ هو ابن سهيل بن عمرو الذي يكتب المعاهدة الآن !!!!!

كان أبو جندل قد قيّده أبوه وحبسه في بيته حتى لا يهاجر إلى المسلمين في المدينة . وبخروج أبيه ( سهيل ) الآن من مكة ، كانت له فرصة أن يهرب ووصل لمعسكر المسلمين بالحديبية ، وعندما رآه أبوه سهيل بن عمرو وثب قائماً وقال : يا محمد : هذا أول من أقاضيك عليه !! يجب أن ترده الساعة معي [[ الآن يرجع معي لمكة ]] ،

والصحابة ينظرون ، و قلوبهم مضطربة من هذه المعاهدة ، فحاول - صلى الله عليه وسلم - ، أن يجد مخرجا لهذا الموقف الحرج ، فقال : يا سهيل ، إننا لم نوقع الكتاب بعد ، فاعتبره سابقاً لها . قال : لا ، والله يا محمد لا أقاضيك على شيء أبداً . [[ يعني إذا ما أخذت معي ابني أبو جندل ورجعته لمكة ما في صلح !! ]] ،

وقام يضرب ابنه ضربا شديدا ، والمسلمون يشاهدون كل ذلك ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا لأبي جندل ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا ، وإنا لا نغدر بهم ، يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً . وتم توقيع الصلح وأخذ سهيل ابنه أبا جندل ، ونسخة من كتاب الصلح ، وساد الحزن و ظهرت الكآبة على وجوه الصحابة .

يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : فأتيتُ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم - فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألسْتَ نبيَّ اللهِ؟ قال: بلَى، قلتُ: ألَسْنا على الحقِّ وعَدُوُّنا على الباطِلِ؟ قال: بلى، قال: فلِم نُعطِ الدَّنيَّةَ في دِينِنا إذًا؟ قال: إنِّي رسولُ اللهِ ولستُ أَعصِيه وهو ناصِري .

قلتُ: أوَلستَ كنتَ تحدِّثُنا أنَّا سنَأتي البيتَ فنَطوفُ حقًّا؟ قال: بلَى، أنا أخبرتُك أنَّك تأتيه العامَ؟ قلتُ: لا، قال: فإنَّك آتيه وتَطوفُ به .
ثمّ رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما على وجه أصحابه من كدر وقهر ، وكآبة ، وثقل هذه المعاهدة على نفوسهم فقال : قوموا فانحَروا ثمَّ احلِقوا، قال الراوي: فواللهِ ما قام مِنهم رجلٌ حتَّى قالها ثلاثَ مرات !!

[[ طبعا لا يعني ذلك أنهم عصوا الرسول ، لا أبدا ، إنما هم مذهولون من بنود صلح الحديبية و مما حدث مع أبي جندل ، يعني مكسور خاطرهم و حزنانين ]] ،

فلمَّا لَم يقُمْ منهم أحَدٌ قام – صلى الله عليه وسلم - فدخَل على أمِّ سلَمَةَ، فذكَر لها ما لَقي مِن النَّاسِ، فقالت أمُّ سلَمَةَ: يا نبيَّ اللهِ، اخرُجْ ثمَّ لا تُكلِّمْ أحَدًا كلمَةً حتَّى تَنحَرَ بُدْنَك وتَدعُوَ بحالِقِك فيَحلِقَك، [[ هذه مكانة المرأة في الإسلام ، النبي يستشيرها ، و يأخذ برأيها ، ولسانها ينطق بالحكمة : يعني الصلح كان فوق طاقتهم يا رسول الله ، وهم تحت أمرك ، لكنهم مذهولون من الصلح وعدم دخول مكة للعمرة ]] ،

فقام فخرَج، فلم يُكلِّمْ أحَدًا منهم حتَّى فعَل ذلك ؛ نحَربُدْنَه ودَعا حالِقَه فحَلَقَه، فلمَّا رأَوا ذلك قاموا فنَحَروا، وجعَل بعضُهم يَحلِقُ بَعضًا .
ومن هنا جاء {{ حكم المحصر : وهو الذي يذهب لأداء العمرة أو الحج ، ثم لا يستطيع أن يدخل مكة لسبب }} ،

وينبغي عليه في تلك الحالة أن ينحر الهدي ويتحلل من إحرامه في المكان الذي أحصر فيه ، وقد وقع أجره على الله .
بعد ذلك رجع المسلمون إلى المدينة ، وفي الطريق ثقلت مشية [[ القصواء]] ناقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فعرف الصحابة أنه يوحى الآن إلى رسولنا الكريم ، يقول " الفاروق " عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه – : في تلك اللحظة أحسست أن قلبي يخرج من حلقي ، وقلت : ويل أمك يا عمر !! لقد أنزل الله بك قرآنا يتلى إلى قيام الساعة !! من أنت يا عمر حتى تعاتب النبي وتقول له : أوَلستَ كنتَ تحدِّثُنا أنَّا سنَأتي البيتَ فنَطوفُ حقًّا ؟؟ [[ يعني أنا متأكد أننا سنطوف بالبيت ، ولكن لماذا لم يحدث ذلك ؟؟ ]] !!

يقول عمر : فوالله ما حملتني رجلاي وقلت : ليت أمك لم تلدك يا عمر !! [[ انظروا قوة الإيمان ، انظروا الخشية من الله ، أين نحن منك يا خليفة رسول الله ؟! ماذا نقول نحن عن معاصينا ؟! ]]

قال ، ثمّ مشيت الهوينى حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأيت وجهه مشرقاً ليس به علامات الغضب ، فنظر إلي وابتسم ، وقال لي : أقبِل يا عمر .

قال : فأقبلت . و أقبل الصحابة ، فقرأ علينا سورة الفتح :
(( إنا فتحنا لك فتحًا مبينا . . . )) ،


إلى أن وصل لقوله تعالى : {{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا }} .

رؤيا النبي حق ، سيدخلون البيت الحرام آمنين من مكر قريش ، وبشر الله نبيه والمؤمنين بفتحين وليس بفتح واحد ؛ فقد كان الصحابة خائفين على المدينة في غيابهم من {{ يهود خيبر }} ، الذين كانوا يجهّزون لغزو المدينة فعلا ، وسيرجع المسلمون إلى المدينة الآن ويفتحون خيبر، فكان هذا هو الفتح القريب ، ويأتي بعده الفتح الثاني وهو فتح مكة .

قرأ رسولنا – صلى الله عليه وسلم - الآيات على صحابته، فحمدوا الله وأثنوا عليه ، و استبشرت قلوبهم بالنصر .


اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


قديم 03-23-21, 08:45 AM   #222
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (03:43 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 209 »
السيرة النبوية العطرة (( قصة الصحابيّين : أبي بَصير وأبي جَندل - رضي الله عنهما - وهجرتهما إلى المدينة المنورة )) .
______
كان من بنود صلح الحديبة أن يرد المسلمون من جاء من قريش مسلماً ، ولم تمض إلا بضعة أيام حتى جاء رجل من مكة إلى المدينة اسمه {{ أبو بصير }} وهو من ثقيف ، ولكنه كان يعيش في مكة وقد أسلم ، وتعرض للتعذيب الشديد من أهل مكة، ثم استطاع الهرب منهم واتجه إلى المدينة ، فلما وصل للمدينة المنورة قال : جئت إليكم محبة في الله ورسوله ،

[[ اللهم ارزقنا محبتك ومحبة رسولك ]] ، هذه المحبة الصادقة التي تجعل صاحبها يتحمل من الأعباء ما لا يتوقعه أحد . فاستقبله النبي – صلى الله عليه وسلم – و أصحابه خير استقبال .

وبعد يومين فقط أرسلت قريش في طلبه رجلين {{خنيس بن جابر العامري }} ودليله على الطريق {{ كوثر }} ، فقال له الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم : يا أبا بصير ، إنا قد أعطينا القوم عهدا ، وإن ديننا يدعونا إلى الوفاء بالعهد ، فارجع مع صاحبيك إلى قريش ، وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً ، ومرة أخرى كان هذا الموقف الصعب جدا على رسولنا وصحابته الكرام .

وفي طريق العودة ، وقريبا من {{ ذي الحليفة }} ميقات أهل المدينة الذي نحرم منه حجاجاً ومعتمرين ، المعروفة الآن ب (( آبارعلي )) ،

جلسوا ليستريحوا و يتناولوا الطعام ، وقام الدليل كوثر ليقضي حاجته ، فأخرج خنيس سيفه ، ثم أخذ يُقلبه ، و يهزه بغرور وكبرياء ، في وجه أبو بصير،وهو يقول له مفتخرا : أبا بصير !!! لأضربنّ بسيفي هذا يوماً الأوس والخزرج [[ أي أصحاب محمد ]] ،

فغافله أبو بصير وأخذ السيف منه وقتله . وعاد الرجل الآخر – كوثر - فوجد صاحبه مقتولا ، فأصابه الذعر ، وأخذ يجري حتى وصل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - وهو يصيح ويقول : مستجيرٌ بك يا محمد !! قال له النبي : ويلك!! ما الأمر ؟!!! قال : قد قتل صاحبكم صاحبي ، فأعطاه النبي الأمان .

ولمّا وصل أبو بصير قال: يا نبي الله ! هذا سلب المقتول [[ وضع سيف المقتول والترس والمتاع ]] ، أما أنت يا نبي الله فقد أوفى الله ذمتك ، و قد رددتني إلى قريش ثم أنجاني الله منهم ، واعتصمت بديني ورجولتي ولا حرج عليك . فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال :

" ويل أمه مسعر حرب ، لو كان معه أحد " [[ ويل أمه كلمة مدح عند العرب ، يعني ويل أمه على هالخلفة !! مخلفه رجل بكل بمعنى الكلمة ، مسعر حرب ، بيقدر يشعل حرب ويوقع في قريش الرعب !!]] .سمع أبو بصير العبارة وهو فعلا اسم على مسمى [[ صاحب بصيرة رضي الله عنه ]] ففهم هذه العبارة وعاهد نفسه أن يكون كذلك ، فاستأذن و خرج إلى منطقة [[ العيص ]]على بعد 220 كم من المدينة ، وهي طريق استراتيجي لقوافل قريش إلى الشام .

أما الدليل - كوثر - فأمّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع رجلين إلى مكة ، وأخبر قريشا بالذي حدث ، فغضب سهيل بن عمرو وطلب ديّة الرجل المقتول، لكنّ أبا سفيان قال له : لم ينقض محمد عهده معنا ، و لا ديّة لنا عنده . [[ لا تدخلنا بمشاكل يا عمرو !! ]] .

ظل أبو بصير في منطقة [[ العيص ]] ، وكلما مرت به قافلة من قريش اعترضها وقتل منها، وأخذ من غنائمها ما استطاع ، وسمع به المسلمون المستضعفون في مكة ، وعرفوا مكانه ، فأخذوا يهربون إليه واحدا وراء الآخر وكان ممن لحق به {{ أبو جندل بن عمرو بن سهيل }} الذي ذكرنا قصته في الجزء السابق ، حتى تجمع مع أبي بصير مجموعة قوامها يفوق ال 300 رجل ، وكان أبو جندل هو أميرها ، وأخذوا يهاجمون قوافل قريش التي تمر من هذه المنطقة .
جنّ جنون قريش !! ماذا نفعل ؟؟ ليس لهم حل ؟؟

قوم بين الجبال والساحل وليس لهم مقر!! ماذا نفعل لهم ؟؟ لقد أرهقوا تجارة قريش فعلا ، وهذا كله قبل أن يمضي عام على الصلح [[ يعني حوالي شهرين فقط ]] ، ألم يقل لهم الصادق الأمين حبيب رب العالمين - صلى الله عليه وسلم – : سيجعل الله لكم فرجا و مخرجا ؟؟

اجتمعت قريش وبعثت وفدا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بقيادة أبي سفيان ، يطلبون منه أن يلغي البند القائل : [[ من جاءك يا محمد من قريش مسلماً بدون إذن وليه ترده إلينا ]] ، ذلك أنّ أبا جندل و أبا بصير و رجالهم قد أرهقوا قريشا . سبحان الله !!! هم وضعوا الشرط وهم الآن يطالبون بإلغائه لأنه كان وبالا عليهم وعلى تجارتهم ، فطلبوا أن يرجع أبو جندل و أبو بصير و رجالهم إلى المدينة مع محمد و أصحابه .

فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجه أصحابه وقال لهم على سمع أبي سفيان : أرأيتم حين رضيت وأبيتم ؟؟ ثمّ أمر - عليه الصلاة و السلام - أن يكتب إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهما أن يأتوا إلى المدينة .

فما إن وصل حامل الرسالة وإذا بأبي بصير قد حضره الموت - رضي الله عنه وأرضاه - فأخذ كتاب رسول الله وقبله وهو يردد الصلاة والسلام على رسول الله ، و ينطق بالشهادتين ، وفاضت روحه رضي الله عنه . وعاد أبو جندل ومن معه إلى المدينة استجابة لأمر نبينا الكريم بعد أن دفنوا أبا بصير – رضي الله عنه - .
أتذكرون حين قال – صلى الله عليه وسلم - لأبي جندل : {{ يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجا }} ؟؟؟

هذه نبوءة النبي - صلى الله عليه وسلم – قد تحقّقت مع أبي جندل، وأنتم يا أحباب رسول الله لكم منه نبوءة ، يا من صبرتم وتحملتم ظلم الفاسدين ، يا من مُنعتم من وطنكم وتشرّدتم وصبرتم ، يا من صبرتم على طاعة الله ، يا من قاومتم المنكر ، يا من صبرتم على البلاء و المحن ، الجنة لكم بإذن الله ، يقول – صلى الله عليه وسلم - :

" إنَّ الإسلامَ بدَأ غريبًا وسيعُودُ غريبًا كما بدَأ فطُوبى للغُرَباءِ " .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم


 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة



| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 03:46 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا